27.4.08

الدهشة



الجهل يفتح مدارك الإنسان نحو أقصى مدارج السؤال، عكس المعرفة التي تحدّ رؤانا بسقف الممكن والمنطق، فتنخفض هامةُ الأسئلة لتنضوي تحت خيمة المعلوم من الحياة بالضرورة. وحين قال النفّري "الجهل عمود الطمأنينة"، أظنه لم يعن فقط أن عدم المعرفة تريح بالك من التفكير في إجابات لأسئلة الوجود الكبرى ومن ثم تطمئن وتنام، على عكس ما يَأْرقُ الفلاسفةُ والعلماءُ، فيخاصمهم النوم وتنأى عنهم الراحة، بل أظنه قصد أيضاً أن المعرفة تحدّ من أسئلتك وتقصّ من شطحاتها لأنك مقيّد بالنظرية ومكبّلٌ بالقانون. فلم يعد ممكنا أن تسأل (الآن) لماذا تدور الأرض عكس اتجاه عقارب الساعة؟ ولماذا ينير القمر ليلا؟ ولماذا تبدو السماء زرقاء؟ ولماذا تسقط الثمرة من الشجرة بدلا من أن تطير؟ لكن مَن يجهل يحق له أن يسأل "مطمئنًا" عمّا يشاء وقتما يشاء وعلى النحو الذي يشاء. لأنه يمتلك شيئاً ثميناً يُفقدنا العلمُ إياه. هو الدهشة.

والدهشةُ أصلُ الفرح ومصدر الإبداع الأكبر. لذلك الأطفال مبدعون كبار في أسئلتهم وفي رسومهم وفي ركضهم وراء فراشة أو ضفدع. فالطفلةُ حين تسأل الله عن الحدود بين الدول، لا تفهم معنى كلمة احتلال، ولا إمبراطوريات. ولا تعرف من هو سير مارك سايكس أو مسيو جورج بيكو، ولا آرثر بلفور ووعوده. وحُكماً هي بريئة من دم الهندي الأحمر الذي تدوس قدماها رفاته كل يوم وهي في طريقها إلى المدرسة.

* صورة الشاعرة/ فاطمة ناعوت.





هناك تعليقان (2):

Che ☭ يقول...

الدهشة ..

شيء جميل جداً ,,

الفلاسفة والحكماء لم ينجحو إلا بذلك المسمى ..
تحرير التفكير والعقل هو الطريق للوصول إليها ..
قد نستغرب أشياء كثيرة وخصوصاً إذا رأينا شيئاً مخالفاً للواقع كإنسان يطير ..
لكن إذا أردنا أن نستمر ونعمِلَ عقولنا يجب علينا أن نسأل ونسأل بجرئة أيضاً ..

قد يطول الحديث هنا عن الدهشة وقد أدخل في مواضيع قد لا تلزم ..
لكن سأنهي هنا , تحياتي لك موضوع جميل ..

che

NووN يقول...

العزيز تشي, شكرا على مرورك.

هي الدهشة لا سواها, وهي أيضا ما نفتقده في عالم يكاد يخلو مما يدهشنا ويستفزّ عقولنا.

محبتي تشي.