23.6.08

عن الطفولة/ طِفـلتُـك


*
كان يبكي حِين يذكرُها, ويقطعُ رأسَ الكلام الذي يَنـبِشُ جُثتها.

*
كانت أنثـاك الجميلة, وكنتَ أكبـر من جمالها, كنتَ رشيـقاً, تداعبُ أيامها وتستـفزّ مرورهـا, كنتَ تلوّح لصباحاتها بِكُرةٍ معقودةٍ بباطن قدمِكْ, وتفتّتُ مساءاتها بحديثٍ طويلٍ عن تفاصيلٍ غبيّة. كنتَ أقوى على الحُبّ منها, وأقوى من الحياةِ على الحياة!

*
كان جـدارُ الأمـل أعلى من تِـلال الخـوف التي تـتستـّرُ إلى حينْ, كان أوضح من ظلال الجبال وكمالها, كان أبلغُ من صمتكْ حين يسندُ تعبكْ, كان أعلى, وكان المجهـولُ غائـباً كأنه الأمسْ. كنتَ تسخـرُ مـن خـوفٍ يجـدّدُ خـوفـكْ, ومـن غُمـوضٍ يـزحـَفُ صـوْبـكْ. كنتَ يـومـاً عـاليــاً. كنتَ عـاليــاً.

*
كانتْ أشياؤكَ أنـقى من بياض أيامـكْ, من كلامـكْ, من أحلامـكْ, ومن سوادِ عينـيكَ البريئـتينْ. كانت أيّامكَ دُميةً تقبـّلها, وتقـلّبها في وعـاءِ قمـيصِكَ البـالي, كنتَ طـِفلاً رهيـفاً, والحياة طـفلةٌ تلاعبُ راحتيكْ.

*
لو كنتَ تعلـمُ أنـكَ الآن مَوجـودٌ, في هـذا المـوتِ مَوجـودٌ, في هـذا اليـومِ مَوجـودٌ, لمـا كنتَ. ولو كنتَ تعـلمُ أنـكَ ستـكونُ هـنـا, في هــذا المـكانِ من بيتـكْ, في هــذا الزمـانِ من عُمـركْ, لو كنتَ تعلمُ أنكَ ستكونُ هنا, لانتحَرتَ هُنـــا................ك!

*
كنتَ عالياً أيّها الوَضِيعُ, كنتَ عالياً تأخذُ ما لكَ منها..
ولا شيءَ يقسُو عليكْ!

1.6.08

بَيْنَ صَدِيقَينْ/ في هَذا اليومِ تَحْدِيداً




* 15


من فرْطِ كراهِيتنا لَهُ, لمْ يَسْتَطِعْ أن يُخْفي كراهِيته لنا, فبادلنا الكُرهَ بالكُرهِ, وسَخِرَ منّا عَلانِيةً, كان يمُرّ منْ أمامِ انْحِناءاتِنا على مَهَلٍ, كزَعيمٍ يَثِقُ بالبُسَطاءْ. كانَ يقْرعُ كعْبيْهِ على عَتباتِنا ويَدخُلُ كرَجُلِ بيتٍ مُتسَلِّطْ. كنّا نخافُهُ, فلا نَمْلِكُ غيرَ الابْتِسامِ كلَّما نَظَرَ إلينا وهو يضَعُ قَدَمهُ الأولى في بُيوتِنا!



* 4


كنّا نَتلَذَّذُ بالمغناطيسِيّةِ التي يمْتَلِكُها, وسِحْرِ النعاسِ الذي يَرُشُّهُ على رُؤُوسِنا كَطَيْر!



* 14


كنّا سُـذّجـاً لـدرجةٍ تحْجِبُ الرؤيـةَ عنْ وُضُـوحِ الفـرْقِ بينَ الـكابُـوسِ والحُـلمْ.
وكانتْ نـوايـانـا حَسنـةٌ حينَ عَرَفْـنا أنَّ في نَـومِـنا راحـةٌ لِلَّيـلْ!


* ...


كنّا طَيِّبِينَ جِداً, لا نقْطَعُ نوماً يَتكَدَّسُ بثلاثةِ كَوَابِيسَ وشَهرَيْنِ عَظِيمَينْ. كنّا طَيِّبِينَ وضُعَفاءَ لا نُشوِّشُ صَفْوَ المارِّيينَ, ولمْ نَنْتبِهْ حِينَ شَدَّ صَدِيقَهُ منْ يَدِهِ ليُشارِكَهُ طَقْسَ المَشْيَ على بِسَاطِ دَمِنا الأحمَرْ, وحينَ هَمَسَ- كأنَّ الغائِبِينَ يَسْمعُون- في أُذُنِِه: حزيرانُ, إرفَعْ رَأسكَ للسّماءْ, وكُنْ مُتَغطْرِساً مِثْلي, إنَّهمْ يُصَفِّقونْ!