12.2.10

قِطّـيْن!!

لم أكن أتوقع أن نصف الدقيقة الذي سينقضي في جلب كرسي الدراسة من ساحة سطح البيت إلى غرفة الدراسة, وغرفة لعب الشدّة, ومقهى الانترنت المصغر, وتجمّع شباب الحارة... سيتحول إلى ساعة أو أكثر. ساعة تحمل الكثير في طياتها, وتخبئ لي ما ليس مُدرجاً على خطة الدراسة ليوم الجمعة الكئيب!

خرجتُ للكرسي, لكني خارجٌ من سجن الدراسة إلى بلكونات سطح البيت التي تسقطني إغراءاتها في جهاتها الأربعة, وتزيدني فتنةً كلما مالت عنها شمس العصر أكثر.

رأيتُ الكرسي. لكني أجّلتُ حمله إلى حين العودة من مفاجآت بلكونة الجنوب, التي كانت ساكنةً تبعثُ على الملل. وقفتُ دقيقتين أنتظرُ أي شيءٍ جديدْ, لكن لا شيءْ. مللتُ, وعدتُ بطيئاً أطأطئُ رأسي لأحبال الغسيل كل خطوتين, وأتفقدُ أيّ قطعةٍ ناشفةٍ تكونُ لي فأحملها مع الكرسي.


رغم أنها البلكونة الأكثر فقراً والأقلّ دهشةً وإغراءً بين البلكونات الأربعة, إلا أنها لم ترضَ لي البلكونة الغربية أن أعود لدراستي هكذا بلا أي شيء, حزيناً يملؤني المللُ الذي تراكم على مللِ الدراسة الاستثنائي, الفريد من نوعه!

ميااااو مياااااو

التفتُّ للصوت. قطٌ في أعلى نقطةٍ في الطابق الخامس, على سطح الحمّامات الشمسية لجارنا. اندهشتُ! ما الذي أوصل هذا الغبيّ إلى هذه الحافة؟ اقتربتُ من البلكونة, اقتربَ القطُّ أكثر ليصل إلى حافة البلكونة المقابلة مياااااو ميااااااو , لا أفهمُ شيئاً. ماذا أفعل؟ ما الذي يريده هذا القط البائسُ من شابٍ أشدّ بؤساً؟!

فكّر, مممممم فكّر, القط على حافة البلكونة, لحظات ويسقط, يبدو أنه يحاول القفز إلى سطح بيتنا, يبدو أنه لا يستطيع الرجوع لسطح جارنا, وخائف من القفز, والريح شديدة عليه, والبرد, وربما الجوع!! ماذا عساي أن أفعل؟ إن حدث أي شيء له فأنا السبب, أنا الضعيف لم أستطع فعل شيء!

ركضتُ لأحضر خشبةً طويلةً, لأمدّها بين البلكونتين, لكن كيف سأمدّها؟ لابدّ من الصعود لمستوى الحافة, كيف؟ مخاطرة, أنا أعرف نفسي, أنا جبان, لا أستطيع, لم أفعل ذلك من قبل, لياقتي البدنية لا تسمح لي في هذه الفترة, قد تنزلق قدمي, أخي " محمد " وقع من نفس المكان قبل سنوات, الحافة رفيعة, امتحاناتي الأسبوع القادم, القط لا يموت بهذه السهولة هكذا, كما صعد إلى هنا فإنه سينزل حتماً... .

لو يستطيع النزول لما توسّل لي, القطّ كائنٌ يصارع من أجل البقاء, مثلي تماماً, للقط صغارٌ ينتظرونه, القط خائفٌ الآن مثلما كنت أخاف في طفولتي, القط ينتظر من يساعده منذ وقتٍ طويلٍ فكنتُ أنا, إذن, لابد أن أكون أنا!

رميتُ " شبشبي " شمّرت عن ساقيّ وساعديّ, محاولةٌ أولى فاشلة, محاولةٌ ثانية, لتنبتُ المحاولة الثالثة في الصعود أعلى الحافة. سندتُ الخشبة بين الحافتين, بس بس مياااااو ميااااو ميااااو بس بس بس بس, القط خائف, لا يريد أن يقتربَ من الخشبة, وأنا مرعوبٌ لا أملك سوي بس بس بس بس, أي شيءٍ غير ذلك هو محضُ انتحار. والقط.. مياااو ميااااو ميااااو مياااااو. ولك افهم يا حمار وتعال ع الخشبة, أبداً, طب شو بأقدر أعمل لربك أنا؟ فش أكتر من هيك. إفهم!!

بينما أنا غارقاً ومرتبكاً أحدِّثُ القط محاولاً إقناعه بركوب الخشبة, إذا به يمشي على الخشبة خطوتين بحذر, فرِحتُ له, ولي, وبينما أنتظرُ خطواتٌ ناجحةٌ أخرى, إذا به يقفز ويرمي بنفسه على صدري, شهقتُ, اختل توازني, ارتعبتُ, كدتُ أن أسقط بخوفي وخوفه من أعلى البيت إلى أدنى الأرضْ, لولا أسياخَ الحديدِ الخارجة من أعلى عامود الباطون بجوار يديَ اليسرى!

عدتُ عارياً لا أحملُ أي شيءٍ من حبل الغسيل, مكتفياً بكرسي الدراسة العزيز. عدتُ سعيداً بالساعة التي أضعتها لأجل قطّ جارنا الخياط, وحزيناً على قطين كانا سيرتقيانِ من أسفل الحياة إلى أعلى الموت!

ليست هناك تعليقات: